عدد سكان سريلانكا: دراسة شاملة ومفصلة

تعتبر سريلانكا من الدول ذات الموقع الجغرافي الاستراتيجي في جنوب آسيا، وهي جزيرة تقع في المحيط الهندي جنوب الهند. هذه الجزيرة الصغيرة ذات التاريخ العريق والتنوع الثقافي الغني، تتميز بتعداد سكاني متنوع من حيث العرق والدين والثقافة، وهو ما ينعكس على طبيعة السكان وتوزيعهم الجغرافي والاجتماعي.

مقدمة تاريخية عن السكان في سريلانكا

سريلانكا، التي كانت تُعرف سابقاً باسم “سيلان”، لها تاريخ طويل من التفاعل البشري يعود لآلاف السنين. بداية من الشعوب الأصلية التي استوطنت الجزيرة، مروراً بفترات الاستعمار البرتغالي والهولندي والبريطاني، التي تركت بصماتها على البنية السكانية والثقافية للبلاد، ساهمت جميعها في تشكيل ملامح سكان سريلانكا الحاليين.

لقد شهدت الجزيرة على مدار القرن العشرين تغييرات ديموغرافية مهمة بسبب عوامل متعددة مثل الهجرة، النمو السكاني، النزاعات الداخلية، والسياسات الاقتصادية والاجتماعية. هذه العوامل مجتمعة أثرت بشكل كبير على عدد السكان وتوزيعهم.

العدد الإجمالي لسكان سريلانكا

بحسب أحدث التقديرات الرسمية الصادرة عن هيئة الإحصاء السريلانكية، يصل عدد سكان سريلانكا إلى حوالي 22 مليون نسمة في عام 2025. هذا الرقم يشير إلى استمرار نمو السكان بوتيرة معتدلة مقارنة بالعقود الماضية، حيث كان عدد السكان أقل بشكل ملحوظ في منتصف القرن العشرين، إذ كان لا يتجاوز 8 ملايين نسمة في عام 1950.

يمكن تلخيص التطور السكاني في الجدول التالي:

يُلاحظ من الجدول أن معدل النمو السكاني في سريلانكا بدأ يتراجع تدريجياً خلال العقود الأخيرة، وهو اتجاه يرتبط بتطورات اجتماعية واقتصادية عديدة، منها ارتفاع معدلات التعليم، التوسع في الرعاية الصحية، وتغير أنماط الأسرة.

التركيبة السكانية

العرقيات

سريلانكا تتميز بتنوع عرقي واضح، ويشكل هذا التنوع عاملاً مهماً في فهم التركيبة السكانية وتأثيراتها السياسية والاجتماعية. أهم المكونات العرقية للسكان هي:

• السنهاليون: يمثلون حوالي 74% من إجمالي السكان، وهم يشكلون الغالبية العظمى في الجزيرة. اللغة السنهالية هي اللغة الرسمية الأكثر انتشاراً، ويرتبطون بشكل رئيسي بالديانة البوذية.

• التاميل: يشكلون نحو 15% من السكان، ويتوزعون بين التاميل السريلانكي الأصلي وتاميل الهند، ويعتنق معظمهم الهندوسية مع وجود أقليات مسلمة ومسيحية.

• الموغل: حوالي 9% من السكان، وهم من أصول مسلمة ويتحدثون لغة التاميل أيضاً.

• أقليات أخرى: تشمل النيباليين، الصينيين، والبرتغاليين الذين تركوا أثرهم في التاريخ السكاني.

التوزيع الديني

الدين في سريلانكا يمثل جانباً أساسياً في تحديد الخصائص السكانية والاجتماعية:

• البوذية: يتبعها حوالي 70% من السكان، ويرتبط أتباعها في الغالب بالسنهاليين.

• الهندوسية: يمثل الهندوس حوالي 12%-15% من السكان، أغلبهم من التاميل.

• الإسلام: يشكل المسلمون حوالي 10%، موزعين على عدة مجموعات عرقية.

• المسيحية: تشكل حوالي 7% من السكان، منهم كاثوليك وأرثوذكس وبروتستانت.

اللغة

اللغة السنهالية والتاميلية هما اللغتان الرسميتان في البلاد، حيث يتحدث السنهاليون اللغة السنهالية، والتاميل يتحدثون التاميلية. بالإضافة إلى ذلك، اللغة الإنجليزية تُستخدم كلغة ثانية مهمة في التعليم، الأعمال، والإدارة.

التوزيع الجغرافي للسكان

سريلانكا تتميز بتوزيع سكاني غير متساوٍ عبر أراضيها. المناطق الحضرية مثل كولومبو (العاصمة الاقتصادية)، كاندي، وجافنا تعد مراكز سكانية مكتظة، بينما المناطق الريفية والجبلية تشهد كثافة سكانية أقل.

• المناطق الحضرية: تشهد تركزاً عالياً للسكان، بسبب توفر فرص العمل والخدمات.

• المناطق الريفية: يتركز فيها السكان الذين يعملون في الزراعة والصيد.

• المناطق الجبلية: مثل نوارا إليا، تعرف بكثافة سكانية منخفضة نسبياً نتيجة للتضاريس.

العوامل المؤثرة في النمو السكاني

معدلات الخصوبة

شهدت سريلانكا انخفاضاً ملحوظاً في معدلات الخصوبة خلال العقود الماضية، حيث تراجع معدل الإنجاب من حوالي 5 أطفال لكل امرأة في منتصف القرن العشرين إلى حوالي 2 أطفال في الوقت الحالي. هذا الانخفاض يعود إلى توسع التعليم، زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة، وتحسين الخدمات الصحية.

الهجرة

على الرغم من أن سريلانكا ليست دولة هجرة رئيسية، إلا أن الهجرة الداخلية بين المناطق الريفية والحضرية تلعب دوراً في تغير توزيع السكان. بالإضافة إلى ذلك، شهدت سريلانكا هجرة خارجية كبيرة في العقود الماضية، خصوصاً إلى دول الخليج وأوروبا وأستراليا، بحثاً عن فرص عمل أفضل.

الصحة

تحسنت مؤشرات الصحة العامة بشكل كبير في سريلانكا، مع انخفاض ملحوظ في معدلات الوفيات خاصة في صفوف الأطفال والنساء الحوامل، ما ساهم في زيادة متوسط العمر المتوقع ليصل إلى حوالي 77 سنة.

التحديات السكانية المستقبلية

بالرغم من الإنجازات، تواجه سريلانكا عدة تحديات ديموغرافية:

• شيخوخة السكان: نتيجة لانخفاض معدلات الولادة وتحسن متوسط العمر، تشهد البلاد ارتفاعاً في نسبة كبار السن، مما يشكل تحديات اجتماعية واقتصادية تتعلق بالرعاية الصحية والتقاعد.

• التوزيع غير المتكافئ: التركز السكاني في المدن يؤدي إلى ضغوط على البنية التحتية والخدمات، مقابل تراجع النمو في المناطق الريفية.

• التنوع العرقي والديني: يظل عاملاً حساساً يتطلب إدارة سياسية واجتماعية دقيقة للحفاظ على السلم الأهلي.

خاتمة

يمثل عدد سكان سريلانكا وعوامل النمو والتغير التي يمر بها انعكاساً لتاريخها الطويل وتنوعها الثقافي والاجتماعي. التحديات التي تواجهها البلاد في إدارة هذا التعدد السكاني تستوجب سياسات متوازنة ومستمرة تعزز من التنمية المستدامة وتحافظ على التماسك الوطني.

المصادر والمراجع

1. تقرير البنك الدولي حول سريلانكا 2024: World Bank Sri Lanka Data

2. هيئة الإحصاء السريلانكية (Department of Census and Statistics – Sri Lanka), تقارير السكان 2023.